الثلاثاء، 18 يونيو 2019

مظلومون لكن أقوياء

جرت العادة في لغة التفاوض وخاصة لدى الدول المستكبرة والظالمة أن تتعامل بفوقية مع الطرف الآخر أو مع بقية الدول وتملي عليهم الإملاءات والشروط ليستجاب لها دون أي نقاش، وهذا ما شهدناه في مختلف القضايا الإقليمية ولسنوات طويلة فينتصر الظالم ويحقق ما يريد وتبقى دولنا تابعة لإملاءاته ومستجيبة له .

ولهذا النوع من التفاوض أمثلة كثيرة نستطيع الإستشهاد بها، فعلى سبيل المثال :
- معاهدة سيڤر  1920 وهي واحدة من سلسلة معاهدات وقعتها دول المركز عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وقد كانت مصادقة الدولة العثمانية عليها هي المسمار الأخير في نعش تفككها وإنهيارها بسبب الشروط القاسية والمجحفة والتي وتضمنت التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية .

- ما يسمى بمعاهدة السلام التي وقعت بين مصر والكيان الصهيوني في الولايات المتحدة بعام 1979، فجعل من مصر خاضعه لهم وخرجت بصورة المهزوم رغم الرفض الشعبي المصري والعربي لهذه المعاهدة.

- إتفاق 17 أيار 1983 في لبنان وهو اتفاق لخلق علاقة سلمية بين "إسرائيل" ولبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وبعد الإجتياح الصهيوني وحصار بيروت في عام 1982 ، والذي رفضه الشعب اللبناني وتم إعتباره إتفاق عار.

- بالإضافة الى تعامل دولنا العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فبحجة أن أمريكا دولة قوية نرى أن أغلب دولنا العربية تتنازل لها دون شروط وتنفق عليها بما شاءت وتهديها ما تطلب دون مقابل فقط بحجة الدفاع عنها إن إحتاجت.

لكن وبعد سنوات إستطاعت دول وقوى محور المقاومة أن تظهر النوع الثاني من التفاوض حيث التفاوض بلغة القوي (إن كان تفاوضاً مباشراً أو عبر وسيط) ، وتم تغيير هذه القاعدة نتيجة لإيمان وثقة تامة بالنفس و نتيجة لسلسلة إنتصارات فرضتها كقوة جديدة، فاستطاعت أن تبرز قوتها تجاه الهيمنة الإستكبارية وتقف لها نداً لند .

ولغة النوع الثاني للتفاوض هي لغة التفاوض البناء لمواجهة الطرف المعتدي أو الظالم أياً كان سواء عالمياً أو إقليمياً أو حتى محلياً داخل البلد الواحد، وهي التي تحقق المزيد من المكتسبات للفئة المظلومة والمستضعفة.

ولهذا النوع أيضاً عدة أمثلة ومنها وعلى سبيل المثال لا الحصر :

- تفاوض حزب الله عبر وسيط لإستعادة أسراه من سجون الصهاينة في سنة 2004 ، حيث كان العدو الصهيوني يرفض رفضاً قاطعاً الإفراج عنهم لكن ونتيجة لموقف قوي وإرادة صلبة إستطاع حزب الله أسر جنود صهاينه ليفاوض بهم مما جعل العدو الصهيوني يخضع ذليلاً ويقبل بالإفراج عن ما يقارب 431 أسير لبناني وفلسطيني في مقابل 3 أسرى صهاينة.

- اتفاق تبادل أسرى بين حزب الله والكيان الصهيوني سنة 2008 ، حيث تم الأفراج عن عميد الاسرى في سجون العدو سمير القنطار بالإضافة الى أربعة أشخاص أسروا في عدوان تموز 2006، وجثامين لـ 199 شهيد لبناني وفلسطيني مقابل تسليم الحزب لجثث الجنديين الإسرائليين الذين تمت تصفيتهم وأسرهم في عملية "الوعد الصادق".

- ما تقوم به الجمهورية الإسلامية اليوم من رفض للهيمنة الأمريكية ورفض التفاوض معها بسبب العنجهية والغرور الأمريكي، فنرى المواقف القوية للقيادة الإيرانية وآخرها عند رفض استلام رسالة ترامب التي أرسلها مع رئيس الوزراء الياباني وحتى الرد عليها، وإعلان ايران أنها تنوي زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم بعد أن انسحبت أمريكا من الإتفاق النووي، فالرسالة الإيرانية تقول إن أردتم التفاوض فنحن الأقوى ونحن من يضع الشروط لا أنتم حتى لو زادت لغة تهديدكم ووعيدكم  ولوحتم بآلة الحرب.

فهذه المعادلة تعتبر قاعدة سياسية ثانية للتفاوض بين أي طرفين لحل أي نزاع أو خلاف أو قضية بعنوان تفاوض المظلوم القوي مع الظالم والمستبد، أما لغة التنازل والتفاوض السابقة بحجة الضعف لن تجدي نفعاً بل ستزيد من ظلم الظالمين وتستضعف الفئة المظلومة أكثر فأكثر، ولن تصب إلا في خانة الظالمين .

وبالنهاية لن ينتصر المظلوم والمستضعف إن ركن لضعفه وإستسلم وهادن الظالم وتنازل له، بل سينتصر إن آمن بقوته وان لديه أدوات قوة كثيرة يستطيع الإستناد عليها في تفاوضه مع الظالم، ولذلك يجب أن يؤمن المظلوم أنه مظلوم نعم لكنه قوي .


عبدالوهاب جابر جمال